أدونيس في حوار مع مونت كارلو الدولية: 90 عاماً من الهويّة الفكرية
تستضيف كابي لطيف الشاعر والمفكر أدونيس، تزامناً مع صدور كتابه "أدونيادا" باللغة الفرنسية عن دار نشر "سوي Seuil" وبمناسبة اليوم العالمي للشعر. يتحدث عن مفهوم الهوية، عن الواقع العربي بعد عشرة أعوام من الصراعات وعن سنواته التسعين وأبرز محطاتها.
طفلٌ في التسعين
شهد عام 2020 تظاهرة تكريمية احتفالية حملت عنوان "أدونيس 90"، شارك فيها أكثر من 138 مفكراً عربياً وغربياً. عن هذا الاحتفال وعن رقم 90 وما يثيره في النفس، يقول أدونيس: "من المؤكد أن الإنسان يفرح لوجود أشخاص يفهمونه ويحتفون به، لكن مثل هذه الإحاطة تضاعف مسؤوليتي إزاء الشعر، فأجدني أسعى إلى المزيد من الاجتهاد أكثر من أي وقت مضى، لأكون على مستوى هذه المسؤولية. صحيح أنني الآن في التسعين، لكن العمر يحتسب بالعقل لا بالجسد، وأنا أشعر بأني ما زلتُ طفلاً، وإحدى مهماتي الأساسية هي إعادة اكتشاف طفولتي. الإنسان تفتّح متواصل، وكلما زاد تفتّحه شعر بالتقصير. وعلى الرغم مما حققته، أشعر بأني ما زلت في البداية".
"أدونيادا"... الهويةعلى مدى سبعين عاماً جسدت أعمال أدونيس أسطورة ستبقى لأجيال، وامتدت بصماته إلى جميع أنحاء العالم. عن إصداره الفرنسي الأخير "أدونيادا" الذي ضمّنه سيرته الذاتية فكراً وشعراً يقول: "هو طرحٌ لإشكالية الهوية: هل هي مجموعة آراء ومعتقدات موروثة؟ أم أنها انفتاحٌ على الآخر؟ هذا الكتاب يضيف تنويعاً على ما كتبته سابقاً عن الإنسان، وكيف أنه كائن منفتح إلى ما لا نهاية، لا يكتمل حتى بالموت، وهو الذي يبتكر هويته إلى جانب أعماله وأفكاره".
الواقع العربي تحت المجهر
واكب أدونيس مختلف التجارب السياسية والاجتماعية والفنية والأدبية التي عرفتها المنطقة العربية. عن نظرته لواقعها الراهن، يقول: "في الماضي كان الوضع أفضل بكثير، وإنه لأمر عجيب! لم أرَ في كل حياتي وتجاربي وقراءاتي شعباً يتخلّف بتقدم الزمن كما هو حالنا نحن العرب. ربما كنا بحاجة لدراسات أنثروبولوجية ونفسية عديدة للوقوف على الأسباب، لكن طالما أن الدين هو المرجعية، يستحيل أن تتقدّم الدول".
سوريا
بعد مرور عشر سنوات على بدء الثورة السورية وما رافقها من آراء متباينة وحول موقفه منها، يعيد أدونيس قراءة كل ذلك اليوم، فيقول: "مما لا شك فيه أن الأنظمة العربية برمّتها هي ذات بنية طغيانية يجب تغييرها، لكن السؤال هو كيف. كانت لمعظم الدول العربية تجاربها المتشابهة في هذا السياق، والتي تتمثل في الانقلابات على الحكام الذين نُصّبوا بُعيد الاستقلال خلال خمسينات القرن الماضي. فعمّ أسفرت تلك المحاولات؟ الخلل يكمن في السعي لتغيير الأشخاص دون تغيير المنظومة. إذا كانت عقلية المعارض مماثلة لعقلية الحاكم، فما الجدوى من التغيير؟ إن أية محاولة لتغيير لا يشمل بنية المجتمع ومؤسساته وثقافته، محكوم عليها بالفشل".
مدينٌ لباريس، ولبنان نموذج
يتحدث أدونيس عن ولاداته الثلاث: أولاً في قرية "قصّابين" السورية، ثم في بيروت، وأخيراً في باريس. حول ارتباطه بهذه الأماكن وأثر كلّ منها في هويته، يقول: "أرى في العناصر المكونة لتركيبة لبنان نموذجاً أساسياً في العالم العربي، من تنوّع في الثقافات والانتماءات المذهبية والعرقية. لبنان يتميز عربياً بمشروعه المنفتح على العالم والتاريخ وقدرته على ابتكار هويته بنفسه. أما باريس، فهي من حضنتني ووصلتني بالعالم وأعطتني ما لم يعطني إياه أي مكان. لا أشعر بالغربة عن سوريا ولبنان، فأنا مكوّن منهما وفي حالة حوار داخلي مستمر معهما. من هنا فإن مسألة زيارتهما تبقى أمراً ثانوياً، فالغربة الحقيقة هي غربة الإنسان عن ذاته، هي المسافة التي تفصله عمّا يريد".
عظمة الإنسان أنه هشّ
يطرح أدونيس بعضاً من آرائه في عددٍ من المفاهيم الإنسانية والمجتمعية التي تحتل مساحة هامة من كتاباته. عن الحب، يقول: "الحب أعمق القيم لأنه لا يتيح للإنسان اكتشاف نفسه وحسب، بل أيضاً اكتشاف الآخر. للأسف تشوه الحب من جراء اختلاطه بعناصر كالحلال والحرام ومفاهيم المدنية الحديثة لهذا فهو نادر الوجود، ومعظم ما نراه اليوم تحت مسمى الحب هو مجموعة علاقات تحكمها المصالح".
عن الدين، يقول: "مشكلتي ليست مع الدين، بل مع محاولة بعض المتدينين فرض إيمانهم على الآخرين. لكل فرد الحرية في اعتناق ما يشاء من أفكار، فالحرية سمة المجتمع الحيّ والخلّاق. أما الدين فهو علاقة شخصية وحميمة تربط الإنسان بخالقه، تماماً كالحب".
أما عن الحياة، فيختم قائلاً: "مشكلة الإنسان ليست في الموت، وإنما في كيفية الحياة في ظل هيمنة الحداثة وسعيها لتقلّص حدود الحياة".
Create your
podcast in
minutes
It is Free